أحب شباب فتاة حبا جما ، ولا يستطيع أن يتقدم لخطبتها ،
أدعوك للتأمل فى تلك القصة الواقعية.
وما رواه الأصمعي حين دخل البصرة ، وتحديدا في بادية بني سعد ، وكان خالد بن عبد الله القسري واليا عليها ، وتميز هذا الرجل بالحكمة والدهاء ..
وجد الأصمعي الأهالي متعلقين بشاب حسن الثياب ، جميل الوجه ، هادئ الطبع ، ومتوجهين به إلى خالد ليقطع يده ، لأنه ضبط متلبسا بالسرقة من إحدى البيوت ، ولما نظر إليه خالد قال في نفسه : ما هذه هيئة لص ، فأمرهم أن يخلو عنه ويعودوا من حيث جاءوا ..
أخذ الفتى على انفراد وسأله كيف يكون لصا وهو بهذه الهيئة ، وهذا الحسن ، وذاك الحياء والجمال والبهاء !
فأكد له الفتى أنه لص ، حمله الشره في الدنيا على السرقة ، وطلب من الوالي أن يسرع في قطع يده ..
حاول خالد أن يخرج منه باعتراف حقيقي بعيدا عن قصة السرقة التي لم تدخل رأسه ، لكن الفتى أصر على أنه سارق ويجب أن يقام عليه الحد !
أمر خالد بمنادٍ ينادي في أهل البصرة ليجتمعوا ويشاهدوا عقوبة اللص الجميل !
ولما اجتمع القوم عن بكرة أبيهم ، حاول خالد محاولة أخيرة أن يثني الشاب عن الاعتراف آمرا إياه أن يقول الحقيقة ، فلم ينجح .. ولما هم الجلاد ليقطع يده ، برزت فتاة جميلة ورمت نفسها عليه ، ثم أسفرت عن وجه كأنه البدر ، فأخذها خالد وسألها عن القصة فأخبرته أن هذا الفتى عاشق لها وهي كذلك ، وأنه أراد زيارتها وأن يعلمها بمكانه ، فرمى بحجر إلى الدار ، فسمع أبوها وإخوتها صوت الحجر ، فصعدوا إليه ، فلما أحس بهم ، جمع قماش البيت كله وجعله صرة ، فأخذوه ، وقالوا: هذا سارق ، وأتوا به إليك ، فاعترف بالسرقة ، وأصر على ذلك حتى لا يفضحني بين إخوتي ، وهان عليه قطع يده لكي يستر علي ، ولا يفضحني ، كل ذلك ، لغزارة مروءته وكرم نفسه !
في الواقع ما فهمت قول النبي صلى الله عليه وسلم ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) حق الفهم إلا بالتوسع في قراءة أحوال العرب في الجاهلية ، فهم وإن كانوا أمة ضئيلة العلم ، ضعيفة الفلسفة والفنون ، معدومة البنيان والتشييد ، مقارنة بغيرها من الأمم في ذلك الوقت إلا أنها امتلكت في الغالب طباعا نادرة ، وفطرة سوية ، ومروءة عالية ، وشهامة قل نظيرها !
ولدوا في عمق الصحراء ، في بيئة قاحلة ، لم تعرف الأنهار ولا النباتات الخضراء فترق قلوبهم ، وتضطرب مشاعرهم ، ومع هذا كانوا أرق الناس قلوبا ، وأكثرهم شجاعة ، وأصدقهم في القول ، وأصبرهم على الفعل ، يموت الواحد منهم من العشق ولا تمس يده جسد من يحبها ، ويقدم روحه رخيصة في سبيل الدفاع عن أهله ، ولا يتردد في قتال من أراد النيل من جارته فضلا عن أمه وزوجته وابنته !
حتى وهو يعتمد السلب والنهب والإغارة في توفير قوته لم يعرف عنه كذبا ، ولا خيانة إلا في مواضع قليلة ، يراها الناظر تناقضا فجا ، ويراه المتأمل إيمانا ناقصا ، لو اكتمل لزين الدنيا كما تزين النجوم السماء ، وقد حصل ورأينا كيف كان المجتمع الأول في دولة الإسلام !
ما أحوجنا الآن إلى نماذج من عصر الجاهلية .. ما أحوجنا إلى ( ابن الدغنة) المشرك وهو يثني أبا بكر عن عزمه على الخروج من مكة ، ويعرض عليه أن يكون في حمايته !
وما أحوجنا إلى نموذج أبي سفيان حين قال الصدق في حق النبي صلى الله عليه وسلم أمام هرقل عظيم الروم !
وما أحوجنا إلى نموذج المطعم بن عدي وهو يجير النبي صلى الله عليه وسلم !
وما أحوجنا إلى نموذج عنترة بن شداد وهو يصرف نظره عن جارته لما تبدت عورتها !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق